مقدمة
قال ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال عام 1955، عبارةً تلخص جوهر الفكر الصهيوني تجاه الموارد الطبيعية: “إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، وإذا لم ننجح في هذه المعركة فلن نكون في فلسطين”. لم تكن هذه الكلمات مجرد تصريح عابر، بل أصبحت أساساً لسياسة مائية اتبعتها إسرائيل على مدى العقود التالية وحتى يومنا هذا. فقد عبّرت عن رؤية استراتيجية تعتبر السيطرة على الموارد المائية جزءً من الأمن القومي وركيزة لبقاء الدولة.
وما كشفته الوثائق اللاحقة من خطط ومداولات يوضح أن هذه التوجهات لم تكن نتاج نكبة عام 1948، بل ثمرة مشروع طويل الأمد صيغ بعناية منذ البدايات الأولى للحركة الصهيونية، هدفه إحكام السيطرة على مصادر المياه في المنطقة بوصفها أحد مفاتيح الهيمنة والاستمرار. ففي عام 1873 أرسلت الجمعية العلمية البريطانية بعثةً عُرفت باسم “بعثة وارن” ترأسها الجنرال (تشارلز وارن)؛ وذلك من أجل دراسة الموارد الطبيعية والثروة المائية في بلاد الشام وفلسطين تحديداً، وقد نشرت البعثة نتائج دراستها عام 1875، هذا التقرير استندت عليه الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية في رسم سياسة الاستيطان في المنطقة والتي تمركزت في ذلك الوقت في الجولان وحول نهر الليطاني.1 لاحقاً، في عام 1897، وعقب المؤتمر الصهيوني الأول، صرّح ثيودور هرتزل: “إن البناة الحقيقيين للأرض الجديدة هم مهندسو المياه. كل شيء يعتمد عليهم'”. وأضاف: “إذا أردت تلخيص نتائج هذا المؤتمر، لقلت إننا وضعنا أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية الممتدة إلى نهر الليطاني. وفي غضون خمسين عاماً، بالتأكيد، سيرى الجميع هذه الدولة”.
منذ ذلك الحين أدرك قادة الحركة الصهيونية أن استقرار دولة الاحتلال ومستقبلها الاقتصادي سيعتمدان بصورة جوهرية على تأمين مصادر المياه والطاقة. لذلك، وبعد صدور وعد بلفور، وتحديداً عام 1920، وجّه حاييم وايزمان، أحد أبرز زعماء الحركة الصهيونية، رسالة إلى اللورد كيرزون وزير الخارجية البريطاني، طالب فيها بأن تشمل الحدود الإقليمية المقترحة لفلسطين كلّاً من نهري الأردن العلوي واليرموك، إضافة إلى نهر الليطاني داخل الأراضي اللبنانية. وقد برّر وايزمان هذا الطلب بأهمية تلك الأنهار لتأمين احتياجات الدولة المزمع إنشاؤها من المياه والطاقة، في خطوة تكشف بوضوح أن المشروع الصهيوني لم يكن يستهدف الأرض فحسب، بل الموارد الاستراتيجية التي تضمن بقاءه وتوسّعه في المستقبل.2
لم يُقابل طلب وايزمان بالقبول في ذلك الوقت، غير أن الطموح الصهيوني نحو التوسّع المائي ظلّ قائماً ومترسخاً في التفكير الاستراتيجي لقادة الحركة. فقد كشفت صحيفة “معاريف” في عددها الصادر بتاريخ 28 أبريل 1972 عن وثيقة سرية تتضمن رسالة وجّهها ديفيد بن غوريون في 7 يناير 1941 إلى الجنرال شارل ديغول، أرفق بها خريطة توضّح ما وصفه بـ”الطموح الصهيوني” لحدود إسرائيل المستقبلية. كانت تلك الحدود تمتد لتشمل مدينة صيدا ومجرى نهر الليطاني وصولاً إلى بحيرة القرعون، ثم تتجه شرقاً نحو السويداء والجولان في سوريا. وجاء في نص الرسالة قول بن غوريون: “أمنيتي في المستقبل جعل نهر الليطاني حدّ إسرائيل الشمالي، فأراضي النقب القاحلة بحاجة إلى مياه نهر الأردن، ولذلك يجب أن تكون منابع هذه الأنهار ضمن حدود إسرائيل”.3
تكشف هذه الوثيقة بوضوح أن السيطرة على منابع المياه كانت جزءً أصيلاً من التصور الصهيوني المبكر لحدود الدولة، وأن التوسع الجغرافي لم يكن غاية بحد ذاته، بل وسيلة لضمان الموارد الحيوية التي تُؤمّن البقاء والتفوق في المنطقة. في ضوء هذا الاهتمام التاريخي والاستراتيجي بالمياه، لم يكن احتلال إسرائيل لما تبقّى من مرتفعات الجولان وقمة جبل الشيخ عقب سقوط نظام الأسد في مطلع ديسمبر 2024 مفاجئاً على الإطلاق. فقد شكّل جبل الشيخ، الذي وصفه ديفيد بن غوريون بأنه “أبو المياه”، موقعاً بالغ الأهمية لكونه المصدر الرئيس لتغذية روافد نهر الأردن. أدركت إسرائيل في تلك اللحظة الحساسة أن الفرصة سانحة، وربما لن تتكرر، لإحكام قبضتها على هذه المنابع الحيوية التي طالما شكّلت محوراً لصراعاتها الإقليمية.4
ويُنظر إلى هذا التحرك بوصفه استكمالاً لطموح استراتيجي ممتد لعقود، هدفه السيطرة الكاملة على الموارد المائية وإقصاء أي إمكانية لظهور منافسة سورية في هذا الملف، أو أي توجه من الحكومة السورية الجديدة قد يمسّ بتلك السيطرة. وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان حادثة تعود إلى عام 1964، حين سرّب الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين معلومات دقيقة حول خطط الحكومة السورية آنذاك لجرّ المياه من أحد روافد نهر الأردن العلوي ومن بحيرة طبريا لاستخدامها في مشاريع الري والزراعة. استند سلاح الجو الإسرائيلي حينها إلى تلك المعلومات ليقصف مواقع مضخات المياه السورية، منهياً المشروع قبل أن يرى النور.5
ومنذ ذلك الحين، ظلّت العقيدة المائية الإسرائيلية ثابتة: ضمان ألا تشكّل التحولات السياسية أو الإيديولوجية في دمشق أي تهديد للأمن المائي الإسرائيلي، وأن يبقى ملف المياه ورقة ضغط بيد تل أبيب تمارس من خلالها نفوذها على دول الجوار، مستخدمة المياه ليس كمورد حيوي فحسب، بل كأداة استراتيجية لضمان التفوق والسيطرة في الإقليم.6
أهمية الجولان المائية بالأرقام
تُعدّ مرتفعات الجولان أكبر خزان مائي منفرد ونقطة تجمّع للمياه في الوطن العربي. تشكل هضبة الجولان المصدر الرئيسي لما يقارب ثلث إجمالي إمدادات المياه العذبة لدى دولة الاحتلال، مما يجعلها عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه في حسابات البقاء والأمن القومي لدولة الاحتلال.7 يرفد الجولان بواسطة أنظمة هيدرولوجية تتركز في الجولان أو تنبع منه بحيرة طبريا والتي تبلغ مساحتها 170 كيلومتراً مربعاً، وتحتوي عند سعتها القصوى على نحو 4.3 مليار متر مكعب من المياه، وتنخفض سعتها إلى 3.6 مليار متر مكعب عند الحدّ الأدنى. حيث يرفد نهر الأردن العلوي ما مقداره 844 مليون متر مكعب سنوياً، ويرفد نهر الحاصباني 150 مليون متر مكعب سنوياً، ويرفد نهر بانياس 120 مليون متر مكعب سنوياً، ويرفد نهر الدان 270 مليون متر مكعب سنوياً، وتساهم الينابيع ضمن الحوض بـ 65 مليون متر مكعب سنوياً، كما يساهم معدل الهطول المطري على الجولان نفسه بـ 250 مليون متر مكعب سنوياً، وتضيف الفيضانات الموسمية نحو 70 مليون متر مكعب سنوياً.8
يصل ارتفاع هضبة الجولان وصولاً إلى جبل الشيخ إلى 2,225 متراً، يضمن هذا الارتفاع تدفق المياه بفعل الجاذبية نحو بحيرة طبريا وإلى داخل الأراضي المحتلة. هذه الأفضلية الطبوغرافية تعني أن سيطرة الاحتلال على الهضبة يوفر قدرة قصوى على استخراج المياه والتحكم في توزيعها على كامل نظام نهر الأردن العلوي. علاوة على ذلك، يحتوي الجولان على خزانات جوفية وفيرة من المياه. فبعد اكتشاف بئر ألون هبشان 2 عام 1985، تستخرج دولة الاحتلال ما يقارب 813 مليون متر مكعب سنوياً من أراضي الجولان المحتلة، وهي مياه كان من المفترض أن تتدفق إلى الأراضي السورية أو تبقى فيها. يمثّل هذا الحجم ما نسبته 25–30 بالمئة من إجمالي استهلاك المياه السنوي لدى الاحتلال. وبالمقارنة، تبلغ الموارد المائية المتجددة الكلية لدى الاحتلال نحو 1,250 مليون متر مكعب سنوياً وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة لنظام نهر الأردن. وهذا يعني أن الجولان يوفّر ما يقرب من نصف المياه العذبة المتجددة في دولة الاحتلال من خلال الاستخراج المباشر والتحكم في حوض التصريف.9 10
بعيداً عن مسألة كميات المياه، تتيح تربة الجولان البركانية الخصبة وأنماط الهطول المطري الملائمة، زراعة مكثّفة تعزّز وجود التجمعات الاستيطانية. فمع الهطولات الشتوية الغزيرة التي تُقدَّر بحوالي 250 مليون متر مكعب سنوياً، يتيح الجولان إنتاجاً زراعياً كان سيكون مستحيلاً في مناطق أخرى في الأراضي المحتلة. ترتبط سياسة دولة الاحتلال في الجولان بين تطوير الزراعة وتعزيز الأمن الإقليمي.11 فقد صادقت الحكومة الإسرائيلية في قرار وزاري عام 2014 على تطوير 30,000 دونم للاستخدامات الزراعية، تشمل إقامة 750 مزرعة، مع استثمار حكومي قدره 108 ملايين دولار.12 كما أعلنت الحكومة في ديسمبر 2024 عن تخصيص 11 مليون دولار كدعم مالي لمضاعفة عدد سكان الجولان عبر حوافز لتوسيع المستوطنات.13 يبيّن ذلك أن استراتيجية دولة الاحتلال تتعامل مع التنمية الزراعية ليس كنشاط اقتصادي فحسب، بل كأداة أمنية لترسيخ الوجود الديمغرافي وجعل السيطرة على الأرض أمراً لا رجعة فيه، وهو ما يحتاج سيطرة على الموارد المائية أيضاً.
لذلك، لم يكن غريباً أن يعمل الاحتلال الإسرائيلي على منع الدول المجاورة من استعادة السيطرة على منابع المياه في هضبة الجولان أو حتى الاقتراب من تهديد أمنه المائي. فالجغرافيا الفريدة للهضبة منحت سوريا في الماضي قدرة طبيعية على التأثير في تدفّق المياه نحو الداخل الفلسطيني المحتل، كما أتاح لها موقعها المرتفع إمكانية تهديد المنشآت الإسرائيلية الحيوية في الشمال. ومن هذا المنطلق، بَنَت إسرائيل عقيدتها العسكرية على أن الجولان يشكّل منطقة عازلة لا غنى عنها: فهي من جهة تمنع أي قصف مدفعي أو عمليات تسلل باتجاه المستوطنات الشمالية، ومن جهة أخرى تضمن التحكّم الكامل بمصادر المياه ومنابعها العليا.
هذه الوظيفة المزدوجة، الهجومية عبر السيطرة على الموارد، والدفاعية عبر تحييد خطر الخصوم، جعلت من الجولان ركناً أساسياً في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وقد عبّر شمعون بيرس عن هذا التوجّه بوضوح عام 1993 حين قال: “المياه قبل الأرض، ولو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فسنكتشف أننا لا نملك اتفاقاً حقيقياً”.14 وبعده بأعوام، ثبّت بنيامين نتنياهو هذا المبدأ باعتباره خطاً أحمراً لا يقبل المساومة، إذ صرّح عام 2017 قائلاً: “هضبة الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد”.15 ومع انهيار النظام السوري في عام 2024، صعّد نتنياهو من لهجته مجدداً معلناً: “هضبة الجولان ستكون جزءً من دولة إسرائيل إلى الأبد”.16 وقد تزامن هذا التصريح مع إعلان حكومته خططا تهدف إلى مضاعفة عدد سكان الجولان من خلال حوافز استيطانية موسّعة، في إشارة واضحة إلى أن الاحتلال لا ينظر إلى الجولان كمنطقة أمنية فحسب، بل كجزءٍ مكرّس من مشروعه الديموغرافي والاستراتيجي طويل الأمد .17
كيف أحكم الاحتلال احتكاره؟
أولا: الاحتكار المائي بعد عام 1967
عقب النكسة عام 1967، قامت السلطات الإسرائيلية على الفور بالسيطرة على جميع موارد المياه وإجراء مسوحات شاملة.18 بين يونيو 1967 وبداية السبعينيات، اكتشفت السلطات حوالي مئة نبع ماء في الهضبة وأعلنت جميع هذه الينابيع ملكية للدولة.19 منح الأمر العسكري رقم 120 (1968) والتشريعات اللاحقة السلطات الإسرائيلية احتكار السيطرة على جميع مصادر المياه، في حين اعتبرت حفر العرب لعمق يتجاوز ثلاثة أمتار عملاً غير قانوني، ما ألغى فعليا قدرة السوريين على الوصول إلى خزانات المياه الجوفية .20
بهذا الإطار القانوني، تحوّل الجولان إلى ما يشبه مستعمرة مائية إسرائيلية، تُدار موارده لخدمة احتياجات الاحتلال حصراً. فقد حُظرت على القرى العربية إقامة خزانات أرضية أو صيانة الآبار القديمة أو حفر آبار جديدة، في حين شرعت شركة المياه الإسرائيلية “ميكوروت” في تنفيذ مشروع واسع لحفر ثمانية عشر بئراً ارتوازياً عميقاً بلغت كلفة الواحد منها نحو ثلاثة ملايين دولار، جرى تصميمها لضمان تدفق المياه باتجاه بحيرة طبريا ومنع أي تصريف طبيعي نحو الأراضي السورية.21 وبذلك، رُسّخ واقع جديد جعل من المياه أداة للسيطرة والهيمنة، لا مجرد مورد طبيعي، وأصبح الجولان نموذجاً مبكراً لسياسة إسرائيلية تعتبر التحكم بالمياه امتدادا للاحتلال ذاته.
ثانيا: الاستيلاء على بحيرة مسعدة وتحويل مسارها
في خريف عام 1968، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ واحدة من أبرز خطواتها لترسيخ سيطرتها على الموارد المائية في الجولان، إذ قامت بتحويل بحيرة مسعدة، وهي خزان طبيعي تبلغ سعته نحو ثمانية ملايين متر مكعب وكان يتبع إدارياً لقرية مجدل شمس السورية، إلى مرفق تخزين مائي رئيسي يخدم المستوطنات الإسرائيلية في الشمال. ولتحقيق ذلك، تم تحويل مياه نهر سعار القريب، إضافة إلى السيول الشتوية القادمة من وادي أبو سعيد، إلى داخل البحيرة، ثم إنشاء محطة ضخ وشبكة أنابيب حديثة لتوزيع المياه نحو المستوطنات الواقعة في شمال الجولان وداخل الأراضي المحتلة في الجليل الأعلى.22
وقد مكّن هذا المشروع إسرائيل من استخراج ما يقارب 1.5 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، محققاً هدفاً مزدوجاً تمثّل في تعزيز الأمن المائي للمستوطنات من جهة، وإقصاء القرى السورية المتبقية عن أي استفادة من مواردها الطبيعية من جهة أخرى، في استمرارٍ لنهج الاحتلال القائم على توظيف الجغرافيا لخدمة استراتيجياته المائية طويلة الأمد.
ثالثاً: تطوير منظم لبنية تحتية مائية من أجل توسيع الاستيطان
أنشأ الاحتلال بحلول عام 2020 تسعة عشر مرفقاً رئيسياً لتجميع المياه موزعة من شمال الجولان إلى جنوبه، بسعة تخزين إجمالية تبلغ 37 مليون متر مكعب وبطول وصل إلى 47 كيلومتراً. وقد نسّقت شركة “مي جولان” هذا البناء البنيوي خصيصاً لضمان “توزيع المستوطنات في جميع مناطق الجولان”. يوضح ذلك أن تطوير البنية التحتية المائية لم يخدم أغراضاً زراعية فقط، بل كان جزءً صريحاً من استراتيجية توسيع الاستيطان.
ولتيسير نقل المياه إلى المستوطنات المتفرقة، أعادت سلطات الاحتلال توظيف “تابلاين” (خط الأنابيب عبر الجزيرة العربية)، الذي كان قبل عام 1967 ينقل النفط السعودي شمالاً عبر الجولان إلى ميناء الزهراني في لبنان. حُوّل خط الأنابيب بقطر 30 بوصة إلى خط لنقل المياه بسعة تصل إلى 3,000 مترٍ مكعبٍ في الثانية عبر الجولان وإلى داخل الأراضي المحتلة. بما يُظهر دمج البنية التحتية المائية عمداً مع مشاريع التوسع الاستيطاني .23
رابعا: بناء السدود وإعادة توجيه تدفق المياه
شيّدت سلطات الاحتلال أكثر من سبعة سدود إضافية بسعة تخزينية إجمالية تتجاوز 53 مليون مترٍ مكعبٍ، جرى ربطها ببعضها وبمحطّات ضخٍ رئيسيةٍ تقع شمال بحيرة طبريا. ومن الأمثلة البارزة، في يوليو 2006، أنشأت القوات الإسرائيلية سداً صخرياً في الأراضي المحتلة من الجولان على بعد 10 أمتار فقط غرب خط وقف إطلاق النار (تحت مراقبة قوات الأمم المتحدة) بهدف محدد هو إعادة توجيه مياه الأمطار والسيول الموسمية التي كانت سابقاً تتدفق نحو الأراضي السورية .24 صُمّم السد بشكل صريح لمنع تصريف المياه إلى الأراضي الزراعية السورية وتحويلها بدلًا من ذلك نحو الأراضي المحتلة، لكن الاحتلال الإسرائيلي أنكر إنشاءه لهذه السدود.
إضافة إلى ذلك، يُعد “مشروع تجميع مياه القنيطرة” أحد أكبر مشاريع الاستيلاء على المياه، حيث يقوم باعتراض سيول الأمطار القادمة من أراضي القنيطرة المحتلة وتحويلها إلى مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال بدل السماح لها بالتدفق نحو الأراضي السورية.25
ما الحل؟
بالرغم من أهمية الجولان فإن المياه ووفرتها ليست الأمر الرئيسي الذي يدفع بالاحتلال لإحكام السيطرة على الجولان وجبل الشيخ. حيث يمتلك الاحتلال محطات تحلية ضخمة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. توفر هذه المحطات فائضاً من المياه ما يجعله يقوم بتصديرها وبيعها لدول الجوار. ما يعني أنّ غاية الاحتلال الكبرى تكمن في إرهاق دول الجوار التي تعتمد على هذه الموارد، وإبقائها مشغولة في تأمين الاحتياجات الأساسية لشعوبها كالمياه والكهرباء، مما يدفعها للابتعاد عن أمور أخرى تهدد أمنها القومي كالحدود والتعديات المستمرة.
هذا الخطر الذي يصنعه الاحتلال يضع مسؤولية مواجهته على مستويين، الأول: المستوى الرسمي السوري، فعلى الرغم من أهمية الملفات المتعددة التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة بعد سقوط النظام، إلا أن الاحتلال يرى إهمالها -ولو مؤقتاً- على أنه تفريط وتنازل. ومع قراءتنا للتاريخ ولتعامل الاحتلال مع ملفات مشابهة نرى أن وضع ملف المياه على سلّم الأولويات ليس بمبالغة فهو ملف سيادي يحدّد مستقبل الأمن المائي لسوريا الجديدة مع دولة لا تعرف القانون الدولي ولا حقوق الانسان. ولو تمكن الاحتلال من فرض سيطرته الكاملة على وصول هذه المياه للجانب السوري، فسيحقّق الاحتلال هدفه الأسمى بتهجير السكان السوريين الذين يعتمدون على هذه المصادر لتصبح قُراهم وأراضيهم الخالية لقمة سائغة لاحتلالها والتوسع الاستيطاني فيها. ورغم عنجهية الاحتلال أمام الالتزام بالأعراف الدولية فإن اتجاه الحكومة السورية لأسلوب الضغط الدبلوماسي في المحافل الدولية سيكون ذا فعالية أكبر إذا ما تم استخدامه بشكل جماعي مع دول الجوار المتضررة من هذا الاحتلال المائي كالأردن ولبنان، مما يستدعي جهداً جماعياً عربياً في مواجهة الاحتلال.
أما المستوى الثاني فهو على صعيد الشعب والسكان، فممارسات الصمود المحلي محورية لحين الاستعداد للمواجهة الدبلوماسية على مستوى الدولة. مثلاً برزت تاريخياً آبار حصاد مياه الأمطار المنزلية كوسيلة فعّالة للوصول إلى درجة معينة من الاستقلال المائي. وبما أنّ التهجير وتفريغ المنطقة من السكان هو هدف أساسي للاحتلال فإن تعزيز بقاء الناس في مناطق سكناهم هو أول خطوط المواجهة، وحفر الآبار ضروري لتثبيت الحق في الوجود. ويعزّز من صمود الناس نشر الوعي على مدى خطورة المرحلة وتحدياتها ونتائجها، فلن يقدم الاحتلال المياه لمن يعيش في الجولان على طبق من ذهب دون أن يقدّم المستوى السياسي تنازلات سياسية ووطنية.
وتثبت التجارب في الدول المجاورة كالأردن وفلسطين أن دوراً إضافياً بارزاً يقع على عاتق الباحثين والقطاع الخاص في ابتكار أدوات يتمكن المواطنون من خلالها من توفير حلول بديلة لحين تثبيت أركان الدولة والعمل على ضمان الحق السيادي المتعلق بالمياه والحدود.
الهوامش
1. عادل عبد السلام المياه في فلسطين: الموسوعة الفلسطينية، ط 1، بيروت، 1990، مجلد 1، ص 244، وعدنان أبو عامر، الصراع على المياه في فلسطين الجذور التاريخية والواقع والمعاش، مركز باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية، بيروت، 2004، ص 8.
2. عبد المالك خلف التميمي المياه العربية: التحدي والاستجابة، المياه العربية.
3. نضال الرشتوين: الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية.
4. باسل المحمد: لماذا سارعت إسرائيل لاحتلال جبل الشيخ بعد سقوط الأسد.
5. بات سوسكيند: على خطى إيلي كوهيت
6. خير الدين الجابري: الماء والطاقة- كيف تتحكم “إسرائيل” بمفاتيح موارد الأمن القومي لدول الطوق؟.
7. محمد وتد الجولان: قصة هضبة احتلتها إسرائيل في الستينيات وتخطط لملئها باليهود.
8. نضال الرشتوين: هضبة الجولان .. الموقع الاستراتيجي للسيطرة على المياه.
9. باسل المحمد: لماذا سارعت إسرائيل لاحتلال جبل الشيخ بعد سقوط الأسد.
10. محمد وتد الجولان: قصة هضبة احتلتها إسرائيل في الستينيات وتخطط لملئها باليهود.
11. الجزيرة نت: الجولان السوري.. “أرض القمح والبقر” التي تحتلها إسرائيل.
12. مرصد الجولان التوسع الاستيطاني الزراعي الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل خلال الصراع السوري.
13. دويتشه فيله: إسرائيل تقر خطة لمضاعفة عدد سكان الجولان والسعودية تندد.
14. نضال الرشتوين: هضبة الجولان .. الموقع الاستراتيجي للسيطرة على المياه.
15. الجزيرة نت: نتنياهو: الجولان تبقى إسرائيلية إلى الأبد.
16. الجزيرة نت: نتنياهو: سنغير الشرق الأوسط والجولان إسرائيلية للأبد.
17. يي بي سي عربي: الحكومة الإسرائيلية توافق على خطة نتنياهو لتوسيع الاستيطان في الجولان.
18. عمرو الواوي: ملف المياه لفلسطين.
19. محمد وتد الجولان: قصة هضبة احتلتها إسرائيل في الستينيات وتخطط لملئها باليهود.
20. أيمن أبو جبل: السطو على مياه الجولان لخدمة المشروع الاستيطاني.
21. نضال الرشتوين: هضبة الجولان .. الموقع الاستراتيجي للسيطرة على المياه.
22. جبل أبو أيمن: السطو على مياه الجولان لخدمة المشروع الاستيطاني.
23. جبل أبو أيمن: السطو على مياه الجولان لخدمة المشروع الاستيطاني.
24. وكالة معا الإخبارية: سورية تتهم إسرائيل ببناء سد على هضبة الجولان لسرقة المياه.
https://www.maannews.net/news/45352.html
25. علي الحسني: احتلال سد المنطرة… إسرائيل تجعل المياه ذخيرة في حرب غير معلنة.





